
حرمة المرض والمرضى اُنتهكت في ليبيا، وبأحقر أنواع التجارة “تجارة الموت” غمرت مافيا الأدوية المغشوشة البلاد.
مع انشغال المسؤولين في الاحتفالات وفتح الخزائن لدعمها والدعاية لها، ووسط تردي الوضع الأمني وغياب الرقابة وانشغال المسؤولين في خدمة مصالحهم الخاصة وحصد الثروات، انتشرت مصانع الأدوية المغشوشة داخل المنازل والمخصصة لصناعة الموت البطيء.
عشرات الحوادث تنتهي باكتشاف عبوات تحمل علامات تجارية أجنبية مقلدة، ومواد كيميائية مجهولة المصدر، وأدوات بدائية لتصنيع مستحضرات التجميل والتخسيس .
وبدأت هذه التجارة مع انهيار المؤسسات وغيابها وحرك الجشع تجار الموت بإنتاج مكملات غذائية وتطور الوضع لإنتاج أدوية مغشوشة بأقل التكاليف وبأدوات بدائية لا تراعي الصحة والسلامة دون الخضوع لأي معايير طبية، ووضع عليها العلامات العالمية المزيفة ثم بيعها بأسعار مرتفعة للمرضى المغلوبين على أمرهم، ما أدى لارتفاع حالات الإصابة بالأمراض المزمنة والوفيات.
المصانع البدائية للأدوية المغشوشة ومجهولة المصدر في ليبيا تدعمها إعلانات مضللة تتحدث عن فاعلية وقوة هذه الأدوية مما يزيد من انتشارها بقوة.
أما الشق الثاني في مافيا الأدوية المغشوشة هي الاستيراد أو دخولها للبلاد مهربة، ففي شهر سبتمبر من العام الماضي، فجّر تقرير للمعهد القومي لعلاج الأورام بمدينة مصراتة مفاجأة باستيراد وتوزيع أدوية مشبوهة ومجهولة المصدر لمرضى السرطان غير صالحة للاستخدام، ورفض المعهد قبول الأدوية التي تم استيرادها من طرف جهاز الإمداد الطبي، وكشف أنّها تسبّبت بعد استخدامها في مضاعفات خطيرة للمرضى.
أما الجنوب الليبي كعادته فهو مصدر خطير لدخول الأدوية المغشوشة في ظل انشغال قوات حفتر بصرف المليارات على الميليشيات وبسط النفوذ واستغلال النفط والذهب والمعادن والهجرة غير الشرعية، ولم تفكر في إنفاق أي أموال لضبط الوضع الأمني في الجنوب.
وفي نوفمبر من عام 2023 كان التقرير الصادم لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الذي كشف واقعة تهريب أدوية مغشوشة ودون المستوى المطلوب إلى ليبيا عبر الحدود الجنوبية للبلاد من أسواق دول منطقة الساحل الأفريقي.
وقال المكتب في تقرير حمل عنوان «الاتجار بالمنتجات الطبية في الساحل» وصف فيه هول الاتجار غير المشروع في الأدوية المغشوشة المتداولة بنسب تتراوح بين 19 و50% من إجمالي الأدوية في أسواق دول الساحل الأفريقية. ومن تشاد والنيجر المجاورتين تتدفق الأدوية المغشوشة إلى منطقة سبها في ليبيا عبر الطرق الرئيسية برًا سواء سيارات أو شاحنات أو حتى دراجات نارية، وفق التقرير الأممي.
وثبت لدى المكتب الأممي تهريب بعض الأدوية المغشوشة إلى ليبيا قادمة من النيجر، بعد تفكيك شبكة من المجرمين في قرية قريبة من العاصمة نيامي في 26 يوليو العام 2022، بالإضافة إلى التهريب عبر شمال مالي وشمال النيجر إلى الجنوب الليبي ومنه إلى باقي البلاد.
تدفع مناطق الجنوب الليبي فاتورة الانفلات الأمني وغياب مؤسسات الدولة بسبب الصراعات السياسية، وتشمل معاناة المواطنين تفشي الأدوية المغشوشة، وبالرغم من تحذير مسؤولين ليبيين في الشمال السكان في الجنوب في عام 2020 من هذه الأدوية إلا أنها لا تزال تدخل البلاد.
وبالرغم من الحديث عن اتفاقات وردية مع الدول الأوروبية ودول الجوار لاستيراد الأدوية، أعلن المسؤولين عن أنها بلغت قيمتها 5 مليارات دولار أمريكي، تنشط مافيا الأدوية المغشوشة المهربة والمصنعة محليا هي المسيطرة على الأسواق وعلى أرواح المرضى.