ليبيا

( فزان _ نبض وطن )

لأن البشر يألفون أرضهم على ما بها ولو كانت قفراً مستوحشا ، و لأن محبته غريزة متأصلة في النفوس النقية من وعثاء الخيلاء و أدران القدر ، فقد آن لهذا الإقليم أن تحفظ حدوده و تصان سيادته و يتمتع أهله بخيراته فنحن لسنا مواطنين من الدرجة الثانية و لسنا سوقة سياسة و لا عبيد تبعية ، و قد تركنا طوال العقد الماضي الحبل على الغارب و فتحنا المساحة كاتمين الغيض و محسنين الظن بمن تقلدوا مصائر الناس و لكن ” لا حياة لمن تنادى “.

فبدلاً من احترام تاريخ و جهاد و تضحيات و ظروف أهل فزان بمدنها و قراها و واحاتها ، مارسوا ضدنا سياسة التأميم و الأدلجة و الوصاية و الولاءات و حولوها إلى ساحة صراعات شرقاً تارة و غرباً تارة أخرى! فأصبح جنوب ليبيا أشبه بمستوطنات بشرية تخلو من كافة مظاهر الحياة و جعلوا بسطائه كموتى يمشون على الأرض ، مساحات شاسعة و خيرات جمة لا تزال بفعل هرتقات السياسيين و تغول الميليشيات بعيدة عن التطاول في العمران والتنوع في مظاهر التحضر و التمدن و تعاني واقعاً خدميّاً متردّياً ، بدءاً بصحة البشر و وتعليمهم و انتهاءً بالاعتداء على حياتهم وحرياتهم و امتهان كرامتهم.

يترافق هذا مع انتشار منظم لعصابات الطريق وأمراء الحروب العابرة للحدود و قادة الميليشيات و مرتزقتهم ومافيات تهريب الذهب والوقود والمخدرات والبشر ، مدعومة من أطراف سياسية نعرفها جيداً علاوة على تداخل دول مجاورة أرهقتها النزاعات القبلية والديكتاتوريات السياسية فتحولت لتجمعات محلية انسدّت في وجوهها أبواب الخيارات ، ثم لحقت بها موجة أخرى من الجماعات الموصوفة بالتطرف و التي فشلت السياسة المحلية والدولية في محاورتها أو اجتذاب العقلاء الراشدين فيها وتركتها للتعصب و الأهواء و ردود الأفعال غير محسوبة العواقب و اضطرمت نارها في بقايا العصبيات و النعرات.

و لا ضيّر في ظل غياب دور الدولة بمختلف أجسامها و انتماءاتها عن أداء واجباتها وبسط سيطرتها وبذل خدماتها يشتدّ الواقع في الجنوب الليبي بؤساً فتنحاز الفئات الاجتماعية إلى مكوناتها القبلية والجهوية وتلتف حولها وتأتمر بشيوخها ووجهائها وأصحاب المبادرات الجريئة فيها ثم تبحث عن ظهر قويّ يدعمها ويساندها ويغطي جانباً من احتياجاتها ويؤمّن فرصة العيش الكريم لأبنائها ، ليجعل لهم قوة و حظوة بين المتنازعين في ظل صراع مراكز النفوذ بين شرق البلاد و غربها.

و بفعل أتون هذه المعادلات الصعبة المتناقضة تحوّل الإقليم إلى ساحة خلفية للحرب والعنف والجريمة وتصفية الحسابات وتبديل التحالفات وعقد الصفقات واصطفت المخابرات الدولية والإقليمية تبحث عن مسارات لمصالحها وصراعاتها ، لذا صار لزاماً أن يعود الجنوب الأشم إلى صدارة المشهد بعد قناعة أهله بضرورة المبادرة لتفكيك هذا الواقع المتردي على الرغم من قلة الخيارات و ضعف الإمكانيات وشدة الاحتياج وتعدد مراكز النفوذ و التدخلات ، إلا أن الرغبة لدينا في تحسين الواقع و الدفع إلى الأمام ستظل من جملة العوامل المؤثرة في التغيير المرتقب لأن الجنوب ككتلة و جغرافيا و موارد لا تنضب سيقول كلمته و يتقلد مكانته التي يستحقها و سيفرض شروطه كطرف أصيل في التركيبة السياسية و الديمغرافية للبلاد التي نعيش فيها كلنا سواء في العيش الكريم و المواطنة و العدالة الانتقالية و سنرسم المشهد كما نراه وفق قناعاتنا ، و ليعلم الجميع بأننا لسنا دعاة فتن و حروب ” فليبيا ” لن تقوم إلا بأهلها جميعاً دون تهميش أو إقصاء أو مغالبة

رئيس ائتلاف القوى الوطنية لشباب فزان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى